رخص جديدة لإنتاج البليت- مصر نحو الاكتفاء الذاتي بصناعة الحديد

أعلنت الحكومة المصرية، يوم الجمعة، عن خطط مفصلة لإصدار تراخيص جديدة لإنتاج خام البليت، وهو المادة الأساسية والجوهرية في صناعة الحديد والصلب، وذلك في إطار استراتيجية شاملة وطموحة تهدف إلى تقليل الاعتماد على الاستيراد من الخارج، وتحقيق الاكتفاء الذاتي لتلبية الطلب المحلي المتزايد على منتجات الحديد، بالإضافة إلى تحويل مصر إلى مركز إقليمي رائد لصناعة وتجارة الحديد في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا.
يُعتبر خام البليت، وهو منتج معدني وسيط يُستخدم بشكل أساسي في تصنيع حديد التسليح المستخدم في البناء، عنصراً محورياً وضرورياً لصناعة البناء والتشييد، التي تشهد ازدهاراً ونمواً ملحوظاً في مصر بفضل المشروعات القومية الضخمة مثل مشروع العاصمة الإدارية الجديدة ومشروعات تطوير البنية التحتية الشاملة في جميع أنحاء البلاد.
تتم عملية إنتاج البليت عن طريق صهر الحديد الخام المستخرج من المناجم أو من خلال إعادة تدوير الخردة الحديدية، ثم يتم تشكيله في قوالب خاصة ليأخذ شكل قضبان معدنية، وتُستخدم هذه القضبان لاحقاً في مصانع الدرفلة لإنتاج مجموعة متنوعة من المنتجات النهائية من الحديد.
ومع الزيادة الكبيرة في الطلب المحلي على الحديد، تواجه مصر تحديات جمة في تأمين إمدادات مستقرة وكافية من خام البليت، مما استدعى تدخل الحكومة واتخاذ خطوات جادة لتعزيز الإنتاج المحلي وزيادته.
وأكد نائب رئيس الوزراء لشؤون التنمية الصناعية ووزير الصناعة والنقل، المهندس كامل الوزير، خلال اجتماع موسع مع كبار مصنعي ومنتجي الحديد في مصر، أن التراخيص الجديدة التي سيتم طرحها ستخضع لمواصفات فنية دقيقة ومحددة تلبي بدقة احتياجات السوق المحلي المتنوعة، ويشمل ذلك إنتاج أنواع متخصصة من الحديد مثل الحديد القابل للحام، والحديد المقاوم للزلازل، والحديد المناسب للاستخدام في البيئات البحرية والمياه المالحة، بالإضافة إلى استخدامات هندسية متقدمة أخرى.
وأشار الوزير إلى أن هذه الخطوة الهامة تأتي ضمن خطة تدريجية تهدف إلى توزيع الفائض المحتمل من إنتاج البليت المحلي على مصانع الدرفلة العاملة في مصر، وذلك وفقاً للطاقة الإنتاجية لكل مصنع، وسيستمر هذا التوزيع المؤقت لحين بدء تشغيل المصانع الجديدة التي سيتم إنشاؤها بموجب التراخيص الجديدة.
وتهدف مصر من خلال هذه المبادرة الطموحة إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي الكامل في إنتاج خام البليت، مما سيساهم بشكل كبير في استقرار أسعار الحديد في السوق المحلي، الذي تأثر بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة بتقلبات أسعار الواردات العالمية وارتفاع تكاليف الشحن الدولي.
كما تسعى الحكومة أيضاً إلى تعزيز مكانة مصر لتصبح مركزاً إقليمياً رائداً لصناعة الحديد والصلب في المنطقة، وذلك بالاستفادة من موقعها الجغرافي الاستراتيجي المتميز، وتوافر كميات كبيرة من المواد الخام اللازمة لإنتاج الحديد، والبنية التحتية المتطورة التي تم إنشاؤها في السنوات الأخيرة، والاتفاقيات التجارية المبرمة مع العديد من دول المنطقة، بالإضافة إلى وجود سوق محلية كبيرة وقوى عاملة ماهرة ومدربة.
وجدد نائب رئيس مجلس الوزراء للتنمية الصناعية ووزير الصناعة والنقل التأكيد على أن الوزارة ملتزمة بتوفير بيئة داعمة ومشجعة للاستثمار الصناعي، ورفع كفاءة منظومة الإنتاج الصناعي بأكملها، وإزالة جميع العقبات والتحديات التي تواجه المصنعين، بما يسهم في تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة والشاملة، ويدفع بالصناعة الوطنية المصرية إلى آفاق أوسع من التقدم والازدهار تنفيذاً لتوجيهات رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي بشأن تحويل مصر إلى مركز صناعي إقليمي مرموق.
ووفقاً لتقارير حديثة صادرة عن جهات متخصصة، تستورد مصر حالياً ما يقرب من 50% من احتياجاتها من خام البليت، مما يتسبب في تكاليف باهظة يتحملها الاقتصاد الوطني تصل إلى مليارات الجنيهات سنوياً، وتشير التقديرات إلى أن زيادة الإنتاج المحلي من البليت قد توفر ما يصل إلى 30% من هذه التكاليف الباهظة، بالإضافة إلى تعزيز الصادرات المصرية من منتجات الحديد إلى دول الشرق الأوسط وأفريقيا.
كما أفادت مصادر صناعية مطلعة أن هذه التراخيص الجديدة سيتم طرحها من خلال مناقصات علنية وشفافة، مع إعطاء الأولوية للشركات التي تلتزم باستخدام تكنولوجيا صديقة للبيئة في عمليات الإنتاج، بهدف تقليل الانبعاثات الضارة والحفاظ على البيئة.
ومن المتوقع أن تساهم هذه الخطوة بشكل فعال في خفض أسعار الحديد في السوق المحلية، مما سينعكس إيجاباً على قطاع البناء والتشييد، ويعزز من القدرة التنافسية للمنتجات المصرية في الأسواق الإقليمية والعالمية.
كما ستعمل هذه المبادرة على خلق فرص عمل جديدة للشباب، خاصة في المناطق الصناعية مثل السويس والعين السخنة، حيث تتركز معظم مصانع الحديد والصلب في مصر.
وتُعد هذه المبادرة جزءاً أساسياً من رؤية مصر 2030 التي تهدف إلى تعزيز الصناعة الوطنية وتنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على الاستيراد من الخارج.
ومع استمرار الحكومة في جهودها لتطوير البنية التحتية ودعم القطاع الصناعي، يبدو أن مصر تسير بخطى واثقة نحو أن تصبح لاعباً رئيسياً ومؤثراً في سوق الحديد الإقليمي.